وكذلك التفاضل بين الناس، فالناس معادن، كما قال صلى الله عليه وسلم، وقال: (
خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام )، فالله سبحانه وتعالى أعطى بعض الفخوذ أو القبائل أو البطون من المناقب -وقد بينها النبي صلى الله عليه وسلم- ما لم يعط غيرها، وهذا أيضاً لا ينكر، ولا يدخل في هذا الباب، لكن هذا ليس مدعاة لأن يفخر أحد على كل أحد، أو يظن أحد أن مجرد انتسابه إلى هذه القبيلة، أو إلى هذا الشرف أنه يكفيه، والأمر كما يقول الإمام
أبو حامد الغزالي رحمه الله: (إن التقوى -التي هي معيار التفاضل- فرض عين، فالعبودية لله تعالى، والتقوى فرض عين على كل إنسان، وفرض العين لا يجزئك فيه عمل غيرك، فالذي يفخر بمجرد نسبه كالعلوية -يقصد الذي يفتخر بنسبه إلى
علي رضي الله تعالى عنه- وغيرهم هم كمن يريد أن يشبع بأكل أبيه، أو يشفى من مرضه بعافية أبيه، وهذا لا يمكن، ففرض العين لابد أن يقوم كل أحد عن نفسه، فهذا لك في ذاتك، وهذا له في ذاته، فهذا لا بد منه).وأما قوله تعالى: ((
وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا ))[الكهف:82] فهذا ويورث الصلاح للذرية، فليسر على طريقه، ولولا أن الأبناء يرجى فيهم الصلاح لما نفعهم صلاح الأب، فإذا انحرفا وبعدا عما كان عليه الأب لم ينفعهما ذلك، كما بينا من قول صلى الله عليه وسلم، وكذلك من فعل نوح مع ابنه، فقد حذره الله سبحانه وتعالى من ذلك الفعل، وكذلك ما فعل إبراهيم مع أبيه، وقد بين الله سبحانه وتعالى له ذلك، وغيرهم.وكذلك ما يتعلق بالزوجات، وقد بين ذلك الله سبحانه وتعالى لما أخبر عن امرأة نوح، وامرأة لوط، فحتى الأنبياء -وهم أعظم الناس عند الله عز وجل منزلة- لا يغني والد منهم عن ولده، ولا مولود هو جاز عن والده شيئاً، فلم يغن إبراهيم عن أبيه، ولا نوح عن ولده، فما بالك بمن دونهم؟! فهكذا تتقطع كل الأرحام والأنساب إلا تقوى الله عز وجل؛ كما ذكر الله عز وجل في كتابه.نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم من المتقين الصالحين، الهادين المهديين المخلصين، إنه سميع مجيب. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.